منوعات

المنعرج الحاسم في الثورة الجزائرية

     شرع الشعب الجزائري في استعمال المظاهرات كسلاح جديد في السنوات الأخيرة من الثورة الجزائرية، وذلك لعدة أسباب أبرزها أنها جاءت كرد فعل على مشروع العدو العسكري الذي ضيق كثيراً على جيش التحرير الوطني واضطره إلى مغادرة العديد من مواقعه وإلى تصغير عدد وحداته مما دفع الشعب إلى تظاهرات في الشوارع بهدف إبطال مفعول الخطط العسكرية الاستعمارية، واشتغاله عن جيش التحرير الوطني ومن أبرز هذه المظاهرات مظاهرات 11 ديسمبر 1960 
1292

لقد انطلقت هذه المظاهرات في 11 ديسمبر 1960م وذلك بعد مرور 6سنوات على اندلاع الثورة التحريرية، هذه المدة التي كانت مليئة بالانتصارات السياسية والعسكرية على الاستعمار الفرنسي كما أن هذه المظاهرات جاءت متزامنة مع زيارة الجنرال ديغول إلى الجزائر والتي شرع فيها في 09 ديسمبر وهذا بعد مرور سنتين ونصف من توليه رئاسة الجمهورية الفرنسية قام خلالها بانتهاج العديد من الأساليب الجهنمية الرامية إلى إخماد الثورة الجزائرية وكان يأمل في هذه الزيارة أن يرى شعباً مستسلماً يلقاه بالورود والتصفيق وأن يقطف ثماره العملية العسكرية المنظمة في إطار المشروع المذكور إلا أنه وجد شيئا مغايرا تماما لأماله وأحلامه، وجد شعباً متظاهراً بشكل عنيف في جميع شوارع مدن الجزائر.

خرج الجزائريون في مظاهرة سلمية يوم 11ديسمبر 1960 لتأكيد مبدأ تقرير المصير للشعب الجزائري ضد سياسة الجنرال ديغول الرامية إلى الإبقاء على الجزائر جزءا من فرنسا

عملت جبهة التحرير الوطني على التصدي لسياسة ديغول و المعمرين معا حيث ارتكز ديغول على الفرنسيين الجزائريين لمساندة سياسته و الخروج في مظاهرات و استقباله في عين تموشنت يوم 9 ديسمبر 1960 ، وعمل المعمرون على مناهضة ذلك بالخروج في مظاهرات و فرض الأمر على الجزائريين للرد على سياسة ديغول الداعية إلى اعتبار الجزائر للجميع في الإطار الفرنسي ، ولم تكن جبهة التحرير الوطني محايدة بل دخلت في حلبة الصراع بقوة شعبية هائلة رافعة شعار الجزائر مسلمة مستقلة ضد شعار ديغول ( الجزائر جزائرية ) و شعار المعمرين ( الجزائر فرنسية).

بعد وقائع المظاهرات المساندة لسياسة ديغول يوم 9 ديسمبر ، و مظاهرات المعمرين يوم 10 ديسمبر، جاء زحف المظاهرات الشعبية بقيادة جبهة التحرير الوطني يوم 11 ديسمبر ليعبر عن وحدة الوطن و التفاف الشعب حول الثورة مطالبا بالاستقلال التام . خرجت مختلف الشرائح في تجمعات شعبية في الساحات العامة عبر المدن الجزائرية كلها، ففي الجزائر العاصمة عرفت ساحة الورشات ( أول ماي حاليا ) كثافة شعبية متماسكة مجندة وراء العلم الوطني و شعارات الاستقلال و حياة جبهة التحرير ، و عمت شوارع ميشلي ( ديدوش مراد حاليا ) و تصدت لها القوات الاستعمارية و المعمرون المتظاهرون و توزعت المظاهرات في الأحياء الشعبية في بلكور و سلامبي ( ديار المحصول حاليا) و باب الوادي،و الحراش ، وبئر مراد رايس ، و القبة ، وبئر خادم ،و ديار العادة ، و القصبة ، ومناخ فرنسا (وادي قريش )، كانت الشعارات متحدة كلها حول رفع العلم الوطني و جبهة التحريرالوطني و الحكومة المؤقتة و تحيا الجزائر ، وتوسعت المظاهرات لتشمل العديد من المدن الجزائرية وهران ، الشلف ، البليدة و قسنطينة و عنابة و غيرها حمل فيها الشعب نفس الشعارات و دامت المظاهرات أزيد من أسبوع .

من نتائج هذه المظاهرات:
– أكدت المظاهرات الشعبية حقيقة الاستعمار الفرنسي الإجرامية و فظاعته أمام العالم، وعبر عن تلاحم الشعب الجزائري و تماسكه و تجنيده وراء مبادئ جبهة التحرير الوطني و القضاء على سياسة ديغول المتمثلة في فكرة ( الجزائر جزائرية ) و فكرة المعمرين ( الجزائر فرنسية)
– أما على المستوى الدولي فقد برهنت المظاهرات الشعبية على مساندة مطلقة لجبهة التحرير الوطني ، واقتنعت هيئة الأمم المتحدة بإدراج ملف القضية الجزائرية في جدول أعمالها و صوتت اللجنة السياسية للجمعية العامة لصالح القضية الجزائرية و رفضت المبررات الفرنسية الداعية إلى تضليل الرأي العام العالمي.
– اتساع دائرة التضامن مع الشعب الجزائري عبر العالم خاصة في العالم العربي و حتى في فرنسا نفسها ، خرجت الجماهير الشعبية في مظاهرات تأييد ،كان لها تأثير على شعوب العالم و دخلت فرنسا في نفق من الصراعات الداخلية و تعرضت إلى عزلة دولية بضغط من الشعوب ،الأمر الذي أجبر ديغول على الدخول في مفاوضات مع جبهة التحرير الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الجزائري ، وهو الأمل الوحيد لإنقاذ فرنسا من الانهيار الكلي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى